تودع السينما الفرنسية بوفاة آلان ديلون الأحد، نجما سينمائيا أسطوريا أبهر بجماله وجاذبيته كبار المخرجين وشك ل لعقود طويلة أحد أعظم الأسماء في مجاله، قبل أن ينكفئ في آخر عمره وسط مشكلات عائلية بين أبنائه.
الظل والنور… ازدواجية جس دها الممثل طوال حياته وشك لت الأساس في شخصية ممثل لا يسعى إلى أن يكون محبوبا ولا يتوانى عن الإفصاح بمكامن المرارة والازدراء إزاء سلوكيات الآخرين.
يتمتع آلان ديلون “بشخصية مدم رة للذات إلى حد ما ويبحث عن هويته الخاصة”… توصيف أطلقه المخرج جوزيف لوسي الذي تعاون مع الممثل في فيلم “موسيو كلاين” سنة 1976. كما وصفه بأنه رجل “تراجيدي”، وذلك في رسالة من المخرج إلى زوجة ديلون في العام نفسه.
ودأب ديلون على التأكيد بأنه ليس مجر د مؤد للشخصيات، بل ممثل حقيقي “يعيش” أدواره، رغم أنه لم يكن يحلم بالسينما في سن المراهقة.
وبأدواره المختلفة، من سفاح ذي عيون زرقاء في “بلان سولاي” (1960)، إلى قاتل مأجور قليل الكلام في “لو ساموراي” (1967)، مرورا بالميكانيكي السك ير في “نوتريستوار” (1984)، أسر آلان ديلون بنظرته وحركاته جمهور السينما.
وأثار إعجابا كبيرا لدى المخرجين في السنوات التي ع رفت بالثلاثين المجيدة (1945-1975)، في فرنسا كما في إيطاليا (بينهم كليمان وفيسكونتي وأنطونيوني وملفيل ولوسي)، مع استثناء ملحوظ لسينمائيي الموجة الجديدة الذين “لم يرغبوا بالتعامل معي”.
وقال آلان ديلون، المولود في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 1935 في سو بضواحي باريس، إنه لم يكن سعيدا في الطفولة، إذ تقل بت حياته بين عائلتين إثر انفصال والديه وتكوين كل منهما أسرة جديدة. وبعدما كان مقد را له في بداية حياته أن يصبح متخصصا في مجال بيع اللحوم، ترك ديلون كل شيء وانضم إلى مشاة البحرية في الهند الصينية في سن السابعة عشرة.
كان عمره 20 عاما عندما عاد إلى باريس، حيث فتحت له وسامته أبواب السينما. وقد ظهر لأول مرة عام 1957 في فيلم “كان لا فام سانميل” (“Quand la femme s’en mele”) للمخرج إيف أليغريه.
وبعد عام، التقى برومي شنايدر، التي كانت قد حققت نجومية كبيرة بالفعل بشخصية سيسي إمبراطورة النمسا.
وتلا ذلك علاقة غرامية عاصفة بينهما حظيت باهتمام إعلامي واسع استمرت خمس سنوات.
وقد حققت حينها مسيرته المهنية نجاحا سريعا. وصور على مدى سنوات بعضا من أهم روائع الأعمال السينمائية الفرنسية، أبرزها “بلان سولا” و”باري برول تيل” (رينيه كليمان)، و”روكو إيه سي فرير”، و”لو غيبار” (لوشينو فيسكونتي)، و”ليكليبس” (مايكل أنجلو أنطونيوني)، و”لو ساموراي”، و”لو سيركل روج”، و”أن فليك” (جان بيار ملفيل) و”لا بيسين” و”بورسالينو” (جاك دوري).
على الرغم من تصويره حوالى مئة فيلم، بعضها دخل تاريخ السينما من بابه العريض، إلا أن آلان ديلون حصد في مسيرته جائزة سيزار واحدة فقط (في عام 1985 عن فيلم “نوتريستوار” للمخرج برتران بلييه) وحصل على السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان كان في عام 2019.
وبعد بضعة أسابيع من تسلمه السعفة الفخرية، أصيب بسكتة دماغية تعافى منها بصعوبة لأنه كان يعاني أيضا من سرطان الغدد الليمفاوية.
وانقطع الممثل عن تصوير الأفلام منذ سنوات، إذ قال في مقابلة مع صحيفة لو موند الفرنسية سنة 2018 “لقد مات المخرجون الذين كنت أستطيع التصوير معهم”. لكنه كان يريد “قبل أن يموت، أن يصنع فيلما تحت إشراف امرأة”.