يعرض مركز فني في بيروت منذ الجمعة لوحات مطبوعة استوحاها الرسام الإسباني سلفادور دالي من “الكوميديا الالهية” لدانتي أليغييري، مع تطعيمها بمقاربات مبدعين محلي ين لم حاور ملحمة الشاعر والفيلسوف الايطالي، “الجحيم” و”المطهر” و”الجنة”، من منظور الواقع الراهن، تحت عنوان “عن الكوميديا البشرية”.
ويحتضن “مركز مينا للصورة” 59 لوحة منسوخة ليتوغرافيا من مئة لوحة ولوحة (101) مائية رسمها الفنان الإسباني في خمسينات القرن العشرين بطلب من الحكومة الإيطالية، وحو ل بواسطتها أبيات دانتي (1265-1321) رسوما إحياء لذكرى ولادته الـ700.
وهذه اللوحات المطبوعة الموقعة من دالي والتي يملكها جامع الأعمال الفنية السوري غسان المالح هي الخامسة والخمسون من مئة نسخة أشرف دالي (1904-1989) شخصيا على إنجازها وإصدارها المحدود بين عامي 1959 و1963.
وإلى جانب أعمال دالي التي يطغى عليها الطابع الروحاني والسري الي، برزت من وحي أبيات دانتي وريشة دالي أعمال متعددة لخمسة فنانين هم اللبنانيون شذا شرف الدين وأيمن بعلبكي وربيع مروة وريان تابت، والفلسطيني عبد الرحمن قطناني.
وتقول مديرة “مركز مينا للصورة” منال خضر، القي مة الفنية على المعرض الذي يستمر إلى 29 أيار/مايو المقبل، لوكالة فرانس برس “طلبنا من الفنانين المشاركين التأمل من خلال عمل دانتي في مفاهيم الجنة و النار و الحياة الآخرة التي تناولها، وفي لوحات دالي، من منظور منطقنا اليوم وما يحصل في الوقت الراهن. لذلك أطلقنا على المعرض عنوان عن الكوميديا البشرية (…) مع أن ما نعيشه اليوم هو تراجيديا وليس كوميديا”.
وتضيف “تعود فكرة ما بعد الموت لتطفو في وقت الأزمات عندما تكون الحقيقة التي نعيشها بالغة الصعوبة. عندها يبدأ الانسان بالتفكير في ما بعد الموت ويطرح تساؤلات عن الحياة وقيمتها والخيال الموجود في الأديان والأدب القديم والمعاصر”.
وعلى يسار اللوحة التي تمثل دانتي يعانق ملهمته بياتريس، يطل في عمق الصالة تجهيز للفنان اللبناني ريان تابت حيث علقت نوافذ قديمة بشكل نصف دائري زجاجها مطلي بصباغ النيلة المخصص لغسل الملابس، بما يجعل الصالة، بحسب خضر، اشبه “بكنيسة صغيرة وسط أعمال دالي عن الجنة” المنتشرة على الجدران.
وتشرح خضر أن تابت استوحى طلاء النوافذ باللون النيلي من تقنية قديمة كان سكان مدن عربية يلجأون إليها لمنع تسر ب النور إلى منازلهم، وطبقت كذلك على مصابيح السيارات خلال الحرب التي نشبت بين إسرائيل ودول عربية عام 1967.
وعند المدخل عمل خشبي مستطيل كأنه إشارة مرور لشذا شرف الدين كتبت عليه بالأسود على خلفية حمراء “أيها الداخلون اطرحوا عنكم كل أمل”، وهي أول جملة يبدأ فيها دانتي كتابه، في إشارة إلى باب الجحيم.
وتستند شرف الدين في عملها على أوجه تشابه ما بين بنية “الكوميديا الالهية” وما أوردته الأحاديث النبوية عن الإسراء والمعراج. وتقول “البنية هي نفسها في وصف الجنة الجحيم والمحشر(…) ففي الأحاديث النبوية يوجد الرضوان حارس الجنة (…) ومثله في مطهر دانتي هناك كارون الذي ينقل الأرواح من مكان إلى آخر. ثمة فوارق لكن البنية هي نفسها”.
وعملت على جمالية الفن الإسلامي في القرون الوسطى، واختارت أن تنقل العذابات عبر سبع لوحات بالرصاص دلالة على طبقات الجحيم السبع بحسب الإسراء والمعراج، وهي تسع بحسب دانتي.