عبد الله أوتجاجت، رايس صناجة، يغني من نظمه، وبآلات رباب من صنع يديه، جمع الحرفتين معا، فأجاد وأمتع، وبالرغم من علامات السنين البادية على محياه ، ما زال هذا الرايس يداعب ربابته وسط الحقول ، ناحتا بين الحين والحين وبكثير من العشق ربابة، قد تلهمه لحنا جديدا …
هو من الفنانين الأمازيغيين القلائل الذين حافظوا على حرفة صناعة آلة الرباب بجهة كلميم واد نون، الآلة التي لا يمكن تصور موسيقى أمازيغية، سوسية بالخصوص، بدونها، والتي حير نغمها الباحثين في التراث الموسيقي داخل المغرب وخارجه .
حرفة صناعة الرباب، هم حمله إذن هذا الرايس (فنان) الذي اشتعل رأسه شيبا، معتكفا على سفوح جبال دوار إدهاكي (الجماعة القروية سبت النابور بإقليم سيدي افني)، حيث يقطن، اقتحمنا عوالمه الفنية والحرفية بداخل غرفة “ورش” وسط بيته.
بهذا الورش التقته وكالة المغرب العربي للأنباء للنبش قليلا في ذاكرته ، وشاهدا على كثير من القصص مع آلة الرباب، وحكايات الإخفاقات والنجاحات أيضا (…) هي الربابة إذن التي في بال أوتجاجت، التي يعانقها بمحبة، حالما أن تبقى ، كما كانت، حية في الأذهان.
يبدأ شريط الذكريات من تزنيت بداية السبعينيات من القرن الماضي كأنه يخط لحنا، بتزنيت كانت بداية نسج العلاقة مع هذه الآلة، لتكبر حكاية العشق وتصبح أبدية تشهد أول آلة نحثها بالعرق شاهدة على البدايات، فعلى أوتارها عزف الحياة بحلوها ومرها راويا شغفا، ما زال سؤال منبعه يستثيره الى اليوم…
يواصل الرايس الحكي ويداه لا تتوقفان عن النحت على قطعة خشب وتعديل أوتار ربابة سيعزف عليها قريبا أحد ما، قد يكون من تكون من نصيبه محظوظا فكل الآلات التي خرجت من هذا الورش تنطق أنغاما، ما أروع، إلا روعة هذا السكون الذي بصم على ميلادها (…).
بوسائل متواضعة، لكن بأذن موسيقية دقيقة وعين خبيرة وأيادي مدربة …، يشرح طريقة جمعه لمكونات الآلة التي تزرع الفرح بأعذب الأنغام، بدءا من انتقاء نوعية الخشب ، وهو العماد والأصل، وصولا الى الأوتار مرورا بالجلد.
ويتوج عبد الله أوتجاجت تحفه الفنية بتزيينها بأجمل وأروع الرموز، غالبا أمازيغية، مانحا إياها حلة بهية، مفتخرا ..إن كل آلة أنتهي من الاشتغال عليها، أعتبرها مولودا جديدا يستحق الاحتفاء.
بدأ مساره الفني في الغناء سنة 1972 وهو في سن الثامنة عشرة، ناهلا ، كما يقول، أصول فن الروايس، أب الفنون الامازيغية، من الكبار .
أغنى هذا الفنان الستيني الخزانة الفنية الأمازيغية بالكثير من الأغاني وروائع فن الروايس، إذ سجل أولى اشرطته سنة 1982 بأغنية تحت عنوان “الحنا فرحات” (إفرح يا حناء)، تناول فيها الهموم العاطفية لدى الشباب، آنذاك، مرتكزا على “الحناء” الرمز الخالد للحب .
أصدر بعدها ألبومات غنائية تناول فيها مواضيع مختلفة نهلت من معين التراث الأمازيغي الاصيل في مناطق سوس، فضلا عن العشرات من الأغاني انتجها على الأقراص المدمجة .
لا يمكن الحديث مع هذا الفنان دون الحديث عن مصير مثل هذه الحرف، ليتحدث عن حرصه عبر صفحات التواصل الاجتماعي، قدر الإمكان، لنقل تجربته وخبرته الى الأجيال الجديدة .
وقال، إن اهتمامه بالجيل الجديد نابع من رغبته في استمرار فن الروايس وحمايته من أي تحريف أو تشويه ومن تأثيرات خارجية سلبية، وكذا دعوة لهم الى إيلاء مزيد من الاهتمام بالكلمة المغناة وتهديب المعاني والحفاظ على الرسالة الجادة لهذا الفن العريق.
وعينه على الروابي والسهول الممتدة أمام الناظرين يترنم الفنان عبد الله أوتجاجت بمقطع من شعره ومن لحنه وعلى أوتار ربابة من صنعه متحررا من كل شيء، سابحا في ملكوت الجمال… .