*إدريس عدار
غطت قصص اللباس فوق البساط الأحمر لمهرجان “كان” عن الوظيفة الحقيقية ليس للمهرجانات فقط ولكن للسينما. ونسي الناس أن المهرجان استضاف ممثلا أصبح رئيسا لدولة كبيرة في أوروبا في وقت الحرب كما استبعد الصحافة الروسية من التغطية في وقت أعطى حيزا مهما لمخرج سينمائي محسوب على “المنشقين” عن بوتين. وقصة المنشقين طويلة وتتكرر في كل المجالات التي تشتغل فيها الاستخبارات الغربية.
لباس مسموح له بالعبور فوق البساط الأحمر وآخر لا. في هذه الجغرافيا الموسومة بالتسطيح التقطنا لباس زوجة لاعب كرة قدم مغربي يعيش بأوروبا وممثلة سعودية. انقسم ساكنة هذه الجغرافيا إلى فسطاطين. غير أن النقاش لم يكن جديا.
ومن السخرية في هذا الشأن أن “كاتبا تنويريا” اعتبر مرور ممثلة سعودية بقفطان “مفتوح” مؤشرا على تخلص هذا البلد من الوهابية. صاحبنا، الذي يقدم نفسه على أنه “إسلامولوغ” لا يعرف انعطافات هذه الأخيرة. والأساسي هو متى كان السعودي يلقي بالا لمثل هذه الأمور وهو خارج بلاده؟ وركز آخرون على لباس زوجة اللاعب المغربي باعتبار الأمر يتعلق بحرية شخصية.
عندما نناقش الشخص فالأمر يدخل في سياق الحرية الشخصية، لكن عندما نتطرق إلى البساط الأحمر فالأمر يتعلق بإيديولوجية “الموضة”. وهي لا يخلو منها مجال بما فيها ما هو خارج الاستهلاك، كما ذهب إلى ذلك جيل ليبوفيتسكي في كتابه “مملكة الموضة”. وعندما يمر ضيوف المهرجان يتحول ما يرتدون إلى صور. والصورة قابلة للاستعمال كما هي قابلة للنقد. وتخضع للذوق. ومن الحرية الشخصية أيضا الحديث عن الصورة. وما تراه أنت جيدا لا يراه الآخر كذلك. بل من حق “المتشرعة” التعبير عن موقفهم إن لم يكن فيه إلزام للآخر. ليس في النقد اقتحام للخصوصية لأنه ينصب على صورة في متناول الجميع.
اللباس ليس محايدا. اللباس لغة الجسد بتعبير رولان بارث. قصد أنه لا يقتصر على وظيفتي الاكتساء والاكساء. أي أنه لا يصلح فقط للارتداء والتغطية، ولكن له وظائف دلالية. قد يحيل على المعاني غير المكشوفة أو التي تأبى الظهور. لهذا يختلف لباس العمل عن لباس الفرح عن لباس الحزن. حتى أن بعض الفقهاء اعتبروا اللباس الأسود في غير المناسبات الحزينة بخلاف الشرع.
قبل الحديث عن الحرية الشخصية في اللباس لابد من تفكيك خطاب الهيمنة من خلال الموضة. ألا يخضع اللباس لنمط استهلاك معين؟ والتقليعات لا تستهدف فقط ما نلبس ولكن تستهدف الأفكار والمعتقدات، تستهدف كل ما هو ثقيل ووازن وثقافي لفائدة كل ما هو عابر وخفيف.
ومع بارث نكتشف أن للباس وظيفة الكشف عن الهوية. لماذا تم منع المخرج السينمائي الكندي من السكان الأصليين كيلفن ريدفيرز من المرور فوق البساط الأحمر لمهرجان كان بسبب أحذيته؟ أحذية تدخل ضمن الموروث الثقافي للقوم مثل “الجلابة والبلغة” بالنسبة للمغاربة. ليس هناك ما يمنع بما أن الأحذية المذكورة غير مخالفة للذوق، لكن وجوده بهذه الهيئة وبهذا اللباس هو بخلاف الوظيفة التي من أجلها يوجد المهرجان والسينما الغربية. حذاء واحد سينكأ الجراح ويذكر الغرب بما فعله تجاه السكان الأصليين. سيخرج من الصندوق الأسود كل التاريخ الأسود لجرائم الإبادة الجماعية. فللجريمة شجرة أنساب كما أن الذاكرة الجماعية لأصحاب الحق تأبى النسيان.
لم يكن اللباس محايدا بدليل اختلاف لباس الفقراء عن لباس الأغنياء. اللباس ثقافة قبل خضوعه لباقي الأحكام. كما أنه جزء من الحروب بين المجالات. والكارثة أن يكون اللباس، الذي يراه البعض لباس الحرية، مفروض بأدوات ناعمة مثلما يكون اللباس، الذي يزعم البعض أنه لباس هوية، مفروض أيضا بأدوات مثيلة.
من حق الجهة التي تنظم المهرجان أن تفرض نوع اللباس المسموح لأصحابه بالمرور فوق البساط الأحمر، لكن علينا نحن أن نميز بين ما ينبغي أن يكون حرية يتساوى فيه الناس وبين نمط من الحرية يقاد إليه الجميع.