أثار مسلسل “لمكتوب”، الذي تلعب فيه الممثلة دنيا بوتازوت دور الشيخة، بعض الجدل بعض تصريحات الخطيب ياسين العمري، الذي تم تلقيبه بالشيخ، وانحازت طائفة للشيخ وأخرى للشيخة وبينهما ذهبت الحقيقة أدراج الريح، والحقيقة هنا ليس ما يقصده البعض بالحق المطلق ولكن تلك العلاقة التي يربطها كل واحد منا بمسمى الحقيقة، التي لا يمتلكها أحد من الناس وقد تكون مختبئة وسط “النقاش”، الذي داس عليه شيطان التمسك بالرؤية الإقصائية.
وبما أن المسلسل يعرض في قناة تمول من المال العام فمن حق الجميع الحديث عن هذا المسلسل. ولا حدود للنقد، لأن البعض يريد تهريب انتقاد الإنتاج الدرامي وغيره إلى الدوائر الضيقة للفنانين والنقاد. فالمسلسل يُعرض وقت الذروة، وبالتالي فإن تلك “المجتمعات الصغيرة” كلها تشاهده.
هذا الجدل قد يكون مفيدا إذا التقطنا مغزاه باعتباره يعكس “مجتمعات صغيرة” تعيش وسط “مجتمع كبير” ومطلوب منها أن تنتقل من العيش إلى التعايش.
المسلسل بطبيعته يعكس وجهة نظر منظومة متكاملة توحدت ليخرج هذا المنتوج الذي أعجب البعض ولم يعجب آخرين، وتقبله البعض بالنقد من خلال قراءة الرؤية الفنية المتحكمة فيه ومنهم من اختار النظر إليه من خلال المضمون.
ورغم أن الشيخة ليست هي بطلة المسلسل توجهت إليها الأنظار. فالبطلة هي بنت الشيخة، التي تلعب دورها الفنانة هند بن جبارة، التي تزوجت رجل الأعمال عمر، الذي يجسده الفنان أمين الناجي، لكنها استأثرت بالحظ الوافر من النقاش.
ليست رؤية جميع الناس للشيخة في المستوى نفسه. فهي جزء من المجتمع ومن التاريخ. وبالتالي هي جزء من تاريخ القبول والرفض داخل المجتمع. شيء من التاريخ يفيد هنا. كانت الشيخة هي الفنانة التي تتعاطى نمطا من الغناء. وكانت مع هذا تساهم بدورها في المشهد العام. فهي خربوشة التي قارعت طغيان القايد عيسى بنعمر العبدي، وهي التي حرضت ضد الاستعمار. عبارة “قالت ليكم بنت المعطي أنتم ضربوا وأنا نعطي” كانت إشارة لحمل السلاح وأن هناك من سيمول ذلك. وكي يتخلص الاستعمار من هذا الكابوس بدأ في تجميعهم رفقة العاهرات في أحياء خاصة، وأول من تولى كبر هذه “الجريمة” الباشا الكلاوي. من هنا بدأ الالتباس عند المجتمع.
في المجتمع الصغير، الذي يسمى مجتمع “أهل الدين”، هناك مستويات متعددة من النظر إلى الموضوع. فقهاء رفضوها وآخرون قبلوها.
لكن السؤال: هل خارج هذا المجتمع الصغير، الكل يقبل الشيخة؟
ليس الأمر كذلك. فهناك ليبراليون لا يميلون إلى الشيخات ولا يعتبرون ما يؤدون فنا أصلا بل يعتبرونه انحطاطا.
وهناك تقدميون يعتبرون الشيخة والفن الشعبي عموما مجرد أداة استيلاب للمجتمع ونشر الخرافة.
التأسيس الحقيقي للتعايش في مجتمع واحد بدل العيش فيه فقط هو القبول بالرأي ما لم تترتب عليه أحكام تؤدي إلى ارتكاب أفعال سيئة.