يُمثِّل شهر رمضان حالة خاصة جدا في علاقتنا مع الطعام تنطوي على مفارقة جلية، فعلى الرغم من أننا نمتنع عن الطعام لمدة تقارب 14 ساعة يوميا، فإن غالبية الناس يعانون من زيادة الوزن خلال الشهر الكريم، لذا يبدو أن هناك حاجة إلى نتوقَّف قليلا ونتساءل عن علاقتنا عموما مع الطعام. في هذه المادة من “سايكولوجي توداي” يُقدِّم لنا الدكتور نات كونيل فكرة غاية في الغرابة عن تلك العلاقة، ربما تُفيدنا قليلا في فهم سر الانتشار الهائل للسمنة في عالمنا العربي.
نص الترجمة:
وفقا للمعهد القومي للصحة، فإن 68.8% من الناس في الولايات المتحدة إما يعانون من زيادة في الوزن (مؤشر كتلة جسم يتراوح من 25 إلى 29.9)، وإما مصابون بالسمنة (مؤشر كتلة جسم أعلى من 30). ومؤشر كتلة الجسم (BMI) عبارة عن أداة لتقييم الوزن الطبيعي أو زيادة الوزن عبر فحص العلاقة بين طول الجسم ووزنه. وهذا يعني أن 31% فقط من الناس إما يتمتعون بوزن صحي وإما يعانون من نقص الوزن.
تُشكِّل السمنة خطرا كبيرا يُهدِّد صحة الإنسان، وذلك لارتباطها الوثيق بأمراض خطيرة مثل أمراض القلب والجلطات (السكتات الدماغية)، ومرض السكر، والسرطان. في عام 2008، تكبَّدت الولايات المتحدة خسائر بسبب التكاليف الطبية تُقدَّر بنحو 147 مليار دولار. وفي محاولة للتصدي لمشكلة زيادة الوزن، أدرك العديد من الأميركيين أنه لا مفر من اتباع حميات غذائية، وبحسب بعض المنظمات المهتمة باضطرابات الأكل، فإن نسبة الرجال الذين يتبعون أنظمة غذائية تصل إلى 25%، أما النساء فتصل نسبتهن إلى 45%، لكن من المفارقات العجيبة هنا أن 95% منهم يستعيدون من جديد الوزن الذي فقدوه خلال بضع سنوات (من سنة إلى خمس سنوات). وهذا يُحيلنا إلى السؤال الأهم: لماذا يسقط البشر دائما تحت وطأة المحاولات الفاشلة في إنقاص وزنهم؟
لتفسير السبب وراء ذلك، يوضِّح دانييل ليبرمان، عالم الأحياء التطوري بجامعة هارفارد، أن البشر تطوَّروا مُتلهِّفين إلى السكر الذي مَثَّل لهم ولأدمغتهم مصدرا للطاقة في أوقات الشُّحِّ. لم تتغير الأمور كثيرا في عصرنا الحديث، فعلى الرغم من توافر السكر، فإن عادة البشر في انكبابهم عليه بشراهة لا تزال مستمرة، حينها يتحوَّل السكر الزائد في أجسادنا بدوره إلى دهون متراكمة تنال منا وتجعلنا فريسة للسمنة.
لكن بغض النظر عن وفرة السكر والمنتجات الغذائية في العموم، لماذا نستمر في تناول الطعام حتى بعدما تكتسب أجسادنا ما يكفيها من الطاقة؟ هل من المعقول أننا نفعل ذلك بغرض المتعة؟ أم بدافع الملل؟ في حقيقة الأمر، إن السبب الحقيقي وراء السمنة ليس الجوع الفسيولوجي (جوع أجسادنا الحقيقي للطعام)، أو تناولنا للوجبات ذات السعرات الحرارية العالية في مطاعم الوجبات السريعة، أو نتيجة للإفراط في تناول الطعام حتى بعد امتلاء معدتنا، بل إن للجوع أسبابا نفسية تجعل إحساسنا بالجوع مستمرا حتى مع امتلاء معدتنا.
إن الفكرة التي مفادها أن “الناس ينتابهم شعور بالجوع فقط عندما تفرغ بطونهم، ويشبعون بمجرد امتلائها” هي فكرة خاطئة تماما. والسبب في ذلك أنه حتى عند غياب الإشارات الفسيولوجية المرتبطة بالمعدة الفارغة والمعروفة باسم الإشارات الداخلية، تظهر الإشارات الخارجية لتحل محلها وتبعث فينا شعورا بالجوع، وتنقسم هذه الإشارات الخارجية عامة إلى فئتين؛ تُعرَف الأولى “بالإشارات المعيارية”، مثل حجم الحصة الغذائية التي تُشير إلى الكميات المناسبة من استهلاكنا للطعام، ويُطلَق على الثانية اسم “الإشارات الحسية”، مثل الرائحة أو الطعم اللذين يُضيفان المتعة واللذة إلى الطعام.